من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- العقيدة-بيان اعتقاد أهل السنّة
المكتبة > العقيدة > بيان اعتقاد أهل السنّة
عدد المشاهدات : 30
تاريخ الاضافة : 2018/12/19
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي



بيانُ اعتقادِ أهل السُنّة

الكتاب
Ahl_sonnah.pdf

الدروس
المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
بيانُ اعتقادِ أهل السُنّة
المقدّمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين.
أمَّا بعدُ: فقد جمعتُ في هذه الورقات، تقريرات تُبيِّنُ "اعتقاد أهل السُنَّة والجماعة"، منها ما ذُكر في كتب ورسائل عقائد أهل السُنَّة، كـ"الطحاوية"، و"الواسطية"، وغيرها، ونقلتها منها بالحرف، أو بالمعنى، أو بتصرُّف لا يُخلُّ بالمعنى، وزدتُ عليها ما هُو ردٌّ لضلالات مُنتشرة في هذا العصر، مُخالفة لمذهب أهل السُنَّة، مما لم يكن في زمن "الطحاوي"، و"ابن تيمية"، وأمثالهم، ممن تصدَّوا لبيان اعتقادات أهلِ السُنَّة، والجواب عمَّا كان في أزمانهم من الشُبهات والضلالات. وذلك حرصا على المُشاركة في ترسيخ قدم الإسلام والسنَّة، في هذا العالم الكبير، المُنتسب إلى الإسلام والسُنَّة، بينما هو مُنخرطٌ في سلكِ "الأسرة العالمية"، المُتَّفقة على الكُفرِ، وواقفٌ تحت ألوية أعداء الإسلام والسُنَّة، من أهل الكُفرِ والعلمانية. "واللهُ يهدي من يشاءُ إلى صراط مستقيم".

أهل السنة

أهلُ السُنّة
1) المسلمُون: هم الَّذين آمنُوا بالتَّوحيد الَّذي جاءت به الرُّسل، وتبرَّؤُا من الشركِ وأهله، وأقرُّوا بصدق رسالة النَّبيِّ الأخير، مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنّ ما جاء به حقٌّ.
2) وأهلُ السُنَّة: هم خاصةُ المُسلمين، وسُمُّوا بذلك لتمييزهم عن الواقعين في البدع، الَّذين لم يكفرُوا ببدعهم، وإن كانُوا مذمُومين بها.
3) وأهلُ السُنَّة هم الفرقة النَّاجية، والطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة". (متَّفق عليه)
فليس من أهل السُنَّة من اعتقد الشرك بالله، ومن آمن بالشرائع الجاهلية قولاً أو عملاً، لأنَّهُ ليس من المُسلمين. ومن ليس من المُسلمين، لا يكُون من أهل السُنَّة.
وإليك بيانُ اعتقاد أهلِ السُنَّة، مع ذكر بعض ما يُخالفه من الاعتقادات والضلالات.

(الأول) الإيمان بالله

(الأول) الإيمان بالله
3) يُؤمنُون بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر. وبالقدر خيره وشرِّه.
قال تعالى: "آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" (البقرة:285)
وفي الحديث الصحيح: "وتُؤمن بالقدر خيره وشرِّه"
4) يُؤمنُون بأنَّ من لم يُؤمن بذلك فهو من الكافرين الخالدين في النَّار.
قال تعالى: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا" (النساء:136)
5) يُؤمنُون بأنَّ من كفر ببعض هذه الأصُول أنَّهُ كمن كفر بالكُلِّ. فمن يكفر بتوحيد الله وأشرك في عبادته، لم ينفعه إيمانهُ بالملائكة والكتب والرسل، والبعث بعد الموت وحساب الآخرة. ومن يكفر بالبعث بعد الموت وحساب الآخرة لم ينفعه إيمانه بتوحيد الله والملائكة والكتب والرسل. وكذا من أقرّ بالتوحيد والبعث والحساب، وكفر بالملائكة، أوالكتب، أوالرسل، لم يكُنْ مُؤمناً بالله بما أقرّ.
6) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان بالله هو أصلُ الدِّين، وأول ما يؤمر به العبد. وهو الفارق بين المؤمن والكافر. وأنَّ جاهلهُ غيرُ معذُور بجهل ولا بتأويل. والجهل به كفرٌ في كل حال قبل الخبر وبعد الخبر‏. لأنَّ الإيمان هو تصديق ما جاءت به الرسل، بعد العلم وبلوغ الخبر. فإن انتفى العلم انتفى الإيمان.
7) يُؤمنُون بأنَّ لفظ "الإيمان" إذا أُفرد تضمن الإسلام الظاهر، لأنَّ أركان الإسلام داخلة في أصول الإيمان. فشهادة أن "لا إله إلا الله"هي: "أن تؤمن بالله"، وشهادة أنّ"محمَّدا رسول الله"، هي: "أن تؤمن برسل الله". وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحجّ البيت، هي:"أن تؤمن بكتاب الله"
8) وأنَّ لفظ "الإسلام" إذا أُفرد تضمن الإيمان. لأنَّ "الإيمان" هو أصلُ "دين الإسلام"، وأول ما يؤمر به العبد، ولا يصحُّ الإسلامُ الظاهر لمن أنكر الإيمان الباطن.
9) يُؤمنُون بأنَّ "الإيمان"، ينتقضُ باعتقاد نقيضه، وأنَّ نقيضهُ الكفر والشرك الأكبر. ومن الكفر سبُّ الله ورسُوله ودينه، والاستهزاء بالله وآياته ورسله وملائكته ووعده ووعيده.
10) يُؤمنُون بأنَّ الأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام:
قال الله تعالى: "فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" (الأعراف:99)
وقال: "إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف:87)
11) يُؤمنُون بأنَّ على العبد أن يُوحِّد الله ويُقرَّ بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأنَّ ذلك حقٌّ لله على جميع عباده. وهو التَّوحيد المطلُوب تحقيقه.
12) ومعنى توحيد الربوبية: الإيمان بأفعال الله، ونفيه عن الشبيه والنَّظير فيها. والاعتقاد بأنّه وحده ربُّ الكون المُتصرِّف فيه، والخالق المالك الرازق المحيي المميت الحاكم المشرّع المدبِّر لأمر العالم. وتوحيد الربُوبيةِ هو الشاهدُ الدليلُ على توحيد الألُوهية.
13) ومعنى توحيد الأسماء والصفات: أن تؤمن بأنَّ الله له الأسماء الحسنى وصفات الكمال، ولا نظير له في ذلك ولا شبيه.

14) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان بالله لا يصحُّ ممن لم يُحقِّق التَّوحيد. وأنَّ الاعتراف بربوبية الله، مع الاشراك في عبادته، ليس الإيمان المطلُوب. وأنَّ المشركين كانُوا مُقرِّين بتوحيد الربُوبية، وإنَّما قامت الخصُومة بينهم وبين الرُّسل في توحيد الألُوهية والعبادة.

15) يُؤمنُون بأنَّ من لم يكفر بالطاغوت لم يصحّ إيمانه:
قال تعالى: "فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:256)

16) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان يكون بالقول والعمل والنية. وأنَّ القول هو قول القلب واللسان، وأنَّ العمل هو عمل القلب واللسان والجوارح.

17) يُؤمنُون بأنَّ من ادَّعى الإيمان بالنيَّة والباطن، وأظهر الكفر باللسان أو العمل أنَّهُ قد صار من الكافرين. وأنَّ من آمن بالقول والعمل، وكفر بالنيَّة والباطن، صار من المُنافقين.

18) يُؤمنُون بخطأ من ظنَّ بأنَّ الإيمان يكون بالقول والنِّيَّة دون العمل، وإنْ اعتقد بوجوب الواجبات، وحرَّم المُحرَّمات، كما فعلتهُ مرجئة الفقهاء.

19) وقد خالف الإيمان، واعتقد الكفرَ غالبُ طوائف البشر. خرج منهُ الملاحدة الذين ينفُون وجود الله. والمشركُون الوثنيُون، لشركهم وخروجهم من التَّوحيد. وأهلُ الكتاب لأنّهم أشركُوا بالله، وخرجوا من التَّوحيد، وكفرُوا ببعض رسل الله. وعُبَّادُ القبُور، والعلمانيُون، والعاملُون بالدساتير الوضعية من المنتسبين للإسلام، لخروجهم من التَّوحيد، ووقوعهم في شرك الطاعة، وكفرهم بشريعة القرآن.

20) وقد ضلَّ عن اعتقاد أهل السنَّة، من اعتقد بأنَّ الإيمان يكون بقول اللسان دون النيَّة والعمل، وأنَّ المرء يُوصفُ بالإيمان، وإن كفر بالنِّية والعمل، كما فعلتهُ المرجئة الكرَّامية.

21) وضلَّ عن اعتقاد أهل السنَّة، من اعتقد بأنَّ الإيمان يكون بالعلم القلبي، وأنَّ المرء يُوصفُ بالإيمان، وإن كفر باللسان والعمل، كما فعلتهُ المرجئة الجهمية.
22) وضلَّ عن اعتقاد أهل السنَّة، من اعتقد بأنَّ الأقوال والأعمال الكفرية، كسبِّ الله ورسُوله، والاستهزاء بالله وآياته ورسُوله، وإلقاء المُصحف في القاذورات وغيرها علامةٌ على الكُفرِ وليست كُفراً، كما فعلتهُ المُرجئة والجهمية.
23) وضلَّ عن اعتقاد أهل السنَّة، من اعتقد بأنَّ الإيمان يتحقَّقُ مع وجود ضدِّه وهو الكفر والشرك الأكبر، وأنَّ المرء يُوصفُ بالإيمان، وإن لم يتُبْ من الشرك الأكبر، كما فعلتهُ المرجئة المعاصرة.

(الثاني) توحيد الألوهية

(الثاني) توحيد الألوهية
24) يُؤمنُون بأنَّ الله واحد لا شريك له، ولا إله غيره. وأنَّ كُلَّ معبُودٍ من دونه باطلٌ، غيرُ مُستحقّ للعبادة.
قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ" (محمد:19).
وقال: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا" (النساء:36)
25) يُؤمنون بأنَّ الغاية من خلق البشر، هي أن يعبدوا الله وحده، ولا يُشركُوا به شيئاً.
قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات:56)
26) يُؤمنون بأنَّ توحيد الله سبحانه في شعائر العبادة، وفي الشرائع القانُونية. هو دينَ الله، وأنَّ الشرك بالله هو دينُ المُشركين.
قال تعالى: "قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِ العَالَمينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ" (الأنعام: 162-163)
27) يُؤمنُون بأنَّ العبادة لا تكُونُ إلا لله، ولهُ الدينُ الخالصُ. وأنَّ من صرف العبادة لغيره صار من الكافرين المُشركين. وهم مُجمعون على أَنَّ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسأَلهم، أنَّهُ قد صار من الكافرين".
28) يُؤمنُون بأنَّ من بطل توحيدهُ لشركه، لا ينفعه ما يدَّعيه من الإيمان بالله، وملائكته، وكُتبه، ورسله، واليوم الآخر، ولا ينفعهُ ما يُظهرهُ من الإسلام، في أحكام الدُنيا والآخرة.
29) يُؤمنُون بأنَّ كلمة "لا إله إلا الله"، هي كلمة التَّوحيد، وهي العُروة الوثقى، وهي البراءة من الشرك. وتحقيقها أن تعبد الله ولا تُشرك به شيئاً.
30) يُؤمنُون بأنَّ الإقرارَ بها لا ينفعُ من كانَ يُقرُّ بها في كُفره، حتى يتبرَّأ من الكُفرِ. فقد أقرَّ بها اليهُود والنَّصارى وكثيرٌ من المُرتدِّين، ولم يصيرُوا بالإقرار مُسلمين.
31) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان لا يصحّ إلا بالتوحيد ولا يصحُّ التوحيد إلاّ بالبراءة من الشرك، ولا تصحّ البراءة من الشرك إلاّ بالبراءة من أهل الشرك.
32) يُؤمنُون بأنَّ العلم من شروط "لا إله إلاّ الله"، وأنَّهُ إذا عُلم أنَّ القائل لا يفهم معناها لا يكون مسلما بقولها في أحكام الدنيا، ولا يدخل بها الجنَّة في الآخرة.
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه: "باب العلم قبل القول والعمل":
قال الله تعالى: "فاعلم أنّه لا إله إلا الله"، فبدأ بالعلم قبل القول و العمل.
قال الحافظ: قال بن المنير: أراد به أنّ العلم شرط فى صحة القول والعمل، فلا يُعتبران إلا به فهو متقدّم عليهما. (فتح الباري: 1\العلم)
33) يُؤمنُون بأنَّ الإخلاص وعدم الشرك من شروط "لاإله إلاالله"، وأنَّ من قالها وهو في الشرك لا يكون مسلما بقولها في أحكام الدنيا، لأنَّه لم يأت بالشرط الأول من شروط الدخول في الإسلام والذي هو، "التوبة من الشرك".
قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة:11)
قال أنس رضي الله عنه:" قال: توبتهم خلعُ الأوثان، وعبادةُ ربِّهم وإقام الصلاةِ وإيتاءِ الزّكَّاة." (الطبري)
قال الحليمي: "ولو قال الوثني لا إله إلا الله وكان يزعم ان الصنم يقربه الى الله لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الصنم" (فتح البارى:كتاب التوحيد)
34) يُؤمنُون بأنَّ الصدق وعدم النفاق من شروط "لا إله إلا الله"، فمن قالها نفاقا نجا في الدنيا، وأخلد في النَّار في الآخرة.
قال تعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا" (النساء:145)
35) يُؤمنُون بأنَّ اليقين وعدم الشكِّ من شروط "لا إله إلا الله"، فمن قالها، وقال: "أنا أشكُّ في كونها حقَّا", لم يكن بقولها المجرَّد مسلماً. ومن قالها وأخفى شكَّه من النَّاس كان منافقا له ما للمنافقين في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: "في قلوبهم مرض" أي: شكٌّ.
36) يُؤمنُون بأنَّ المحبَّة وعدم البغض من شروط "لا إله إلا الله"، فمن قالها وأظهر البغض للتوحيد وأهله، لم تنفعه الكلمة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" (محمّد:9)
37) يُؤمنُون بأنَّ القبول وعدم الإنكار من شروط " لا إله إلا الله "، فمن قالها وأنكر معناها أي: أنكر إخلاص العبادة لله، لم تنفعه الكلمة في الدنيا والآخرة. لأنَّ الكفار هم الذين يُنكرُون ويقولون: "أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا" و"أئنَّا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون" و"إن كاد ليضلنا عن آلهتنا"
38) يُؤمنُون بأنَّ الإنقياد وعدم الترك والإعراض من شروط "لا إله إلا الله" فمن قالها وأعرض عن أوامر الله، واستكبر عن تعلّمها، واستحلَّ العمل بما يُخالفها، لم تنفعه الكلمة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ" (الأحقاف:3)

(الثالث) الملائكة

(الثالث) الملائكة
39) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان بملائكة الله من الإيمان بالله، وأنَّ من لم يُؤمن بملائكة الله لم يُؤمن بالله، وكان من الكافرين.
40) يُؤمنُون بأنَّ من لم يؤمن بملك واحد ثبت بالنَّصِّ أنَّهُ من ملائكة الله، لا ينفعه إيمانه بباقي الملائكة، ولا ينفعهُ ما يُظهرهُ من الإسلام، في أحكام الدُنيا والآخرة.
41) يُؤمنُون بأنَّ الملائكة جنود الله، خلقت لطاعة الله، فلا يقع منهم عصيان كما يقع من البشر.
قال تعالى:"لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم:6)
42) يُؤمنُون بأنَّ الملائكة خُلقت من نور، وفي الحديث:"خُلقت الملائكة من نور، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ. وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ "(مسلم)
43) يُؤمنُون بأنَّ الملائكة لا يُحصي عددها إلا الله، وأنَّها لا تفترُ عن التسبيح والذكر. قال تعالى: "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" (الأنبياء:20)
44) يُؤمنُون بالروح الأمين، جبريل، وميكائيل، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وحملة العرش، وملك الموت، ومالك خازن النار، والكرام الكاتبين، ومن ثبت ذكرهُ بنصٍّ ثابت صحيح.
45) يُؤمنُون بأنَّ الله جعل للملائكة أجنحة. كما
قال تعالى: "الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ" (فاطر:1).
وأنَّهُ جعل لهم قُدرة على التمثل على هيئة بشر، وجاء في القرآن ذكر تمثُّل الملك لمريم.
قال تعالى: " فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (مريم:17)
وجاء في الحديث أنّ جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان والإحسان، جاء على صُورة رجل. وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح قد سدَّ الأفق.
46) يُؤمنُون بما جاء في الكتاب والسنَّة من وظائف الملائكة مثل: المداومة على الذكر وطاعة الرحمن، وتبليغ رسالات الله إلى رسله، وإهلاك المكذِّبين في الدنيا، وكتب أعمال العباد، وقبض أرواح البشر، وتثبيت المجاهدين في سبيل الله، وتعذيب أهل النَّار في النَّار.
47) وخالف اعتقاد أهل السُنَّة في الملائكة الملاحدة المنكرُون لوجُودها، والمشركُون الَّذين زعمُوا أنَّ الملائكة بناتُ الله، وأنَّها تستحقُّ العبادة من دون الله.

(الرابع) الكتب

(الرابع) الكتب
48) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان بكتب الله، من الإيمان بالله، وأنَّ من لم يُؤمن بكتب الله، لم يُؤمن بالله، وكان من الكافرين.
49) يُؤمنُون إيماناً مُجملا بجميع ما أنزل اللهُ من الكتب، ما ذكرهُ في القرآن، وما لم يذكُرهُ فيه. ويُؤمنُون إيماناً مُفصَّلا بما سمَّاهُ الله من الكُتب، كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم.
50) يُؤمنُون بأنَّهُ لا يصحّ لمنكر كُتب الله جملة أو تفصيلا إيمانٌ وإسلامٌ. وأنَّ من لم يؤمن بكتاب واحد من كتب الله، لا ينفعه إيمانه بباقي الكتب، ولا ينفعهُ ما يُظهرهُ من الإسلام، في أحكام الدُنيا والآخرة.
51) يُؤمنُون بأنَّ كلَّ الكتب السماوية منسوخة بالقرآن، وأنَّهُ لا يحلُّ التقرُّبُ إلى الله إلا بشريعة القرآن.
52) يُؤمنُون بأنَّ طريقة الراسخين في العلم أن يردُّوا المتشابه إلى المحكم، وأنَّ اتباع المتشابه وترك المحكم، من علامات أهل الزيغ.
53) يُؤمنُون بأنَّ من لم يؤمن بالقرآن لا ينفعه إيمانه بالكتب المتقدِّمة. كما هو حالُ اليهُود والنَّصارى، الَّذين جعلهم اللهُ من المغضُوب عليهم والضالِّين.
54) يُؤمنُون بأنَّ التَّوراة والإنجيل الَّتي بأيدي أهل الكتاب مُحرَّفةٌ مُبدَّلةٌ، ودخلها آراءُ النَّاس وأوهامُهم، وأنَّها ليست كما انزلها اللهُ، وأنَّ فيها تواريخ وأقوال لغير الأنبياء، كُتبت بعد أزمان وجود الأنبياء.
55) يُصدِّقُون ما صدَّقهُ القرآنُ مما في الكُتب المُبدَّلة، ويُنكرُون ما أنكرهُ القرآنُ، ويُمسكون عمَّا سكت عنهُ القرآن.
56) يُؤمنُون بأنَّ من قدَّمَ أحكام التوراة أو الإنجيل المنسوخة على أحكام القرآن، أو سوَّى بينهما أنَّهُ قد كفر بالقرآن.
57) يُؤمنُون بأنَّ من قدَّمَ أحكام القوانين الوضعيَّة البشرية على أحكام القرآن، أو سوَّى بينهما أنَّهُ قد كفر بالقرآن.
58) يُؤمنُون بأنَّ من أنكر حجيّة السنة الصحيحة، أنَّهُ قد أنكر القرآن، ومن أنكر القرآن فقد خرج عن الإيمان، لأنَّ القرآن يدعوا إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وينهى عن عصيانه. فقد جاء فيه: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ" (النساء:64). وجاء فيه: " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الأحزاب:36) إلى غير ذلك من الآيات.
59) يُؤمنُون بأنَّ من أنكر واجبا من الواجبات المذكورة في القرآن أوالسنّة أو محرَّما من المحرَّمات، ومثله يجهله وجبت إقامة الحجّة عليه، قبل تكفيره أو عقوبته.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة:115)
60) وإقامة الحجّة عندهم هي الإسماع والتبليغ، وليست الهداية أوالإلزام.
قال تعالى: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الشورى:52)
وقال: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص:56)
61) يُؤمنُون بأنَّ القرآن كلام الله حقيقة، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، ليس بمخلوق. ومن زعم أنه كلام البشر، أو أنَّهُ مخلُوقٌ فقد كفر.
62) يُؤمنُون بأنَّهُ لا يجوزُ إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً.
63) يُؤمنُون بأنَّ القرآنَ كلام الله، حروفَه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف.

(الخامس) الرسل

(الخامس) الرُّسل
64) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان برسل الله، من الإيمان بالله، وأنَّ من لم يُؤمن برسل الله، لم يُؤمن بالله، وكان من الكافرين.
65) يُؤمنُون بأنَّ من لم يؤمن بنبي واحد من أنبياء الله، لا ينفعه إيمانه بباقي الأنبياء، ولا ينفعهُ ما يُظهرهُ من الإسلام، في أحكام الدُنيا والآخرة.
66) يُؤمنُون إيماناً مُجملا بجميع رسل اللهُ وأنبيائه، من ذكر اللهُ اسمه في القرآن، ومن لم يذكُرهُ فيه. ويُؤمنُون إيماناً مُفصَّلا بمن سمَّاهُ الله في القرآن، في مثل قوله تعالى: " وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ" (الأنعام: 83-86)
وقوله: "وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ" (85)
وقوله: "وإلى عاد أخاهم هُوداً" (الأعراف:65)
وقوله: "وإلى ثمُود أخاهم صالحاً" (الأعراف:73)
وقوله: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا" (الأعراف:85)
وقوله: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ" (الفتح:29)
67) يُؤمنُون بأنَّ مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسُل والأنبياء وسيِّدهم، ومن بلغتهُ رسالتهُ، ثمّ لم يؤمن بها كان من أصحاب النَّار.
68) يُؤمنُون بأنَّ مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم هو المبعوث إلى عامة الجن والإنس بالحق والهدى، وأنَّ كلَّ دعوى النبوة بعده فغيٌ وهوى.
69) يُؤمنُون بأنَّ من التمس الهدى من غير طريق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أضلَّهُ اللهُ. وليس طريق النبوة وطريقُ الولاية، طريقان إلى الله، بل إنَّ من خالف طريق النَّبيِّ، فقد خرج من ولاية الله، وصار من الضالِّين. ولذلك لا يُصدقون الدجاجلة المُدَّعين للولاية، و لا يُصدقون كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
70) يُخالفُ اعتقاد المسلمين في الرُّسلِ، الكفرةُ الملاحدة، المنكرُون لرسالات الله. ويُخالفهُ اليهُود والنَّصارى، وكُلُّ من آمن ببعض الرُّسل وكفر ببعضهم.

(السادس) اليوم الآخر

(السادس) اليوم الآخر
71) يُؤمنُون بأنَّ الإيمان باليوم الآخر، من الإيمان بالله، وأنَّ من لم يُؤمن باليوم الآخر، لم يُؤمن بالله، وكان من الكافرين.
72) يُؤمنُون بأنَّ من لم يؤمن باليوم الآخر، لا ينفعهُ ما يُظهرهُ من الإسلام، في أحكام الدُنيا والآخرة.
73) يُؤمنُون بأنَّ مِن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون قبل الموت كأشراط السَّاعة، وبعد الموت كفتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه.
74) يُؤمنون بأشراط الساعة، من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، ويُؤمنون بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها.
75) يُؤمنُون بأنَّ الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل: "من ربُّك وما دينك ومن نبيك ؟". فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: "ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي" وأما المرتاب فيقول: "هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته". فيعذَّبُ في القبر.
76) يُؤمنُون بأنَّ بعد هذه الفتنة: إما نعيم وإما عذاب، إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد .
وفي الحديث: "إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ" (الترمذي والحاكم)
77) يُؤمنُون بقيام القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق.
78) يُؤمنُون بأنَّ الموازين تُقامُ فتوزن بها أعمال العباد.
قال تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون" (102-103)
79) يُؤمنُون بأنَّ صحائف الأعمال تنشرُ، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، كما قال سبحانه وتعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" (الإسراء:13-14)
80) يُؤمنُون بأنَّ الله يحاسب الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وُصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يُحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته –فإنه لا حسنات لهم– ولكن تعدُّ أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها.
81) يُؤمنُون بأنَّ في عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا.
82) يُؤمنُون بأنَّ الصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمرُّ الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمرُّ كلمح البصر، ومنهم من يمرُّ كالبرق، ومنهم من يمرُّ كالريح، ومنهم من يمرُّ كالفرس الجواد، ومنهم من يمرُّ كركاب الإبل، ومنهم من يَعْدو عدْواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم .فإن الجسر عليه كلاليب تخطفُ الناس بأعمالهم، فمن مرَّ على الصراط دخل الجنة.
83) يُؤمنُون بأنَّ المُؤمنين إذا عبروا على الصراط، وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتصُّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
84) يُؤمنُون بأنَّ أول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته .
85) يُؤمنُون بأنَّ للنَّبي صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات :
(الأولى) يشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء – آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم – من الشفاعة حتى تنتهي إليه .
(الثانية) يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة. وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
(الثالثة) يشفع فيمن استحق النار –وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم– فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها
86) يُؤمنُون بأنَّ الله يخرج من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشيء الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.
87) يُؤمنُون بأنَّ الجنَّة لا يدخلها كافرٌ ولا مُشركٌ بالله،
قال تعالى: "وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ" (الأعراف:50)
وفي الحديث: " إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ" (مُتَّفق عليه).

(السابع) الإسلام الظاهر

(السابع) الإسلام الظاهر
88) يقُولُون: إذا ورد لفظُ الإسلام مع لفظ الإيمان، فالإسلام هو الشعائر الظاهرة والإيمان ما في القلب.
قال تعالى: "قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" (الحجرات:14)
89) يُؤمنُون بأنَّ "الإسلام الظاهر"، أو "الحكمي"، هو ما يثبت به إسلام المرء في الظاهر، وفي أحكام الدُنيا، وإن كان منافقاً في الباطن. وهو التوبة من الشرك والكُفر، وتصديق الرسالة، والتزام أحكام الإسلام.
قال تعالى: "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ" (التوبة:11)
قال أنس رضي الله عنه: "توبتهم خلعُ الأوثان، وعبادةُ ربِّهم وإقام الصلاةِ وإيتاءِ الزّكَّاة." (الطبري)
90) يؤمنون بأنَّ المصرَّ على الشرك والكفر، لا يصحُّ لهُ إسلامٌ ظاهرٌ، حتى يُظهرَ التوبة من الشرك والكُفر، ومن اتَّخذهُ أخا في الدين، وهو على ذلك، فقد والى المُشركين، ودخل في دينهم.
91) يُؤمنون بأنَّ الحقّ هو التفريق بين أصناف الكفار في الإقرار، فليس من لا يُقول "لا إله إلا الله" إلا عند إرادة الإسلام، كمن يقُولها وهو مُنكرٌ للرسالة. وليس هذا كمن يشهد "أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله"، وهو مُقيمٌ على كُفره، ويقولُ: "لم يبعث إلينا". وليس هذا كمن يشهدُ الشهادتين، ويُقرُّ بأنَّ مُحمدا صلى الله عليه وسلم مبعُوثٌ إليه، وهُو يجحدُ واجباً، أو يستبيحُ مُحرَّماً.
92) يأمرون بالكفِّ عن قتل الكافر الوثني إذا قال "لا إله إلا الله"، ولم يزد على ذلك. لأنَّهم كانُوا لا يُقولون "لا إله إلا الله"، إلا عند إرادة الدخُول في دين الإسلام.
93) لا يأمرون بالكفِّ عن قتل الكافر الكتابي -وإن قال "لا إله إلا الله- حتى يُقرَّ بالرسالة، لأنَّه كان يقُول "لا إله إلا الله" في كُفره.
94) لا يأمرون بالكفِّ عن قتل الكافر الكتابي -وإن قال "لا إله إلا الله"- وأقرَّ بالرسالة، إذا كان يعتقدُ أنَّ رسالتهُ خاصَّةٌ بالعرب.
95) لا يأمرون بالكفِّ عن قتل من كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم -وإن قال "لا إله إلا الله، مُحمَّدٌ رسُولُ الله"- حتى يرجع عما اعتقده من الكُفرِ.
96) يُخالفُ منهج أهل السنَّة في قبُول إقرار الكافر، أهلُ الإرجاء المُعاصر، فهم: (أولا) أهملوا القرآن الذي يشترط التوبة من الشرك والبراءة من أهله.
(ثانيا) أهملوا الأحاديث التي تشترط الكفر بما يُعبد من دون الله، واكتفوا بما دلَّ على اعتبار النطق.
(ثالثا) اعتبروا النطق الحدَّ الأدنى للدخول في الإسلام لكلِّ كافر، مخالفين في ذلك للكتاب والسنّة ومذهب علماء السلف.
(رابعا) جعلوا قضيَّة التوحيد قضيَّتين تستقلُّ كلُ واحدة منهما عن الأخرى:
(الأولى) هي النّطق المجرّد، وهو عندهم الحدّ الأدنى للدخول في الإسلام لكلِّ كافر.
(الثانية) وهي ترك الشرك والبراءة من أهله، وهي عندهم أمر من أوامر الشريعة وليست شرطا للحكم بإسلام المرء، ويجعلها بعضهم أقلَّ من الصلاة والزكاة في المرتبة. ويجعلون المخالف مذنبا لا كافرا.
قالوا عن الموحدين:إنّهم يُكفّرون بالذنب.لأنّ عبادة غير الله ممن ينطق بـ"لا إله إلا الله" ذنبٌ من الذنوب عندهم، وليس كفرا مخرجا عن الملَّة.

(الثامن) الولاء والبراء

(الثامن) الولاء والبراء
97) يُؤمنون بأنَّ الإيمان لا يصحّ إلا بالتوحيد، ولا يصحُّ التوحيد إلاّ بموالاة أهل التَّوحيد، والبراءة من أهل الشرك.
قال تعالى: "لاْ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَاْدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ" [المجادلة: 22].
فمن زعم الإيمان مع مودَّة الكفار فقوله مردُود، لأنّ القرآن يشهدُ باستحالة اجتماع الإيمان مع مودَّة الكفار.
وقال تعالى: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" [الممتحنة:4]
قال الإمام الطبري: "حتى تُصدقوا بالله وحده فتوحِّدوه وتُفردوه بالعبادة"
98) يُؤمنون بأنَّهُ لا ينفع العلمُ بالتوحيد وفعل الواجبات وترك المحرّمات لمن أظهر موالاة أهل الشرك أو معاداة أهل التوحيد، فيكون بذلك كافراً مرتدّا مثلهم، لأنَّ الله تعالى قال لأهل الإيمان من الصحابة: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" (المائدة:51)
99) يُؤمنون بأنَّ موالاة المشركين ومودّتهم تكون على صورتين:
(الأولى): الموالاة الظاهرة:
وهي أن يعلن الإنسان براءته من المسلمين، وأنّه مع المشركين وضدّ المسلمين فيكون حينئذٍ مرتدّاً ردّة صريحة وله حكم المرتدين في الدنيا والآخرة. وكذلك إذا أتى بعمل ظاهر لا يدلّ إلاّ على الكفر، كان كافراً مرتدّاً، كمن فرّ من صفّ المسلمين في الجهاد ودخل في صفوف الكافرين .
(الثانية): الموالاة الخفية:
وهي أن يعلن موالاته للمسلمين وبراءته من أهل الشرك ويُضمر خلاف ذلك من مودّة المشركين وموالاتهم، وكلّما انكشف أمره اعتذر باعتذارات كاذبة، وأكّد أنّه لا يزال على ولائه للمسلمين وبراءته من المشركين، فيكون فاعل ذلك منافقاً له حكم المنافقين في الدنيا والآخرة. وهذا النوع من الموالاة هو الذي كان يقع من المنافقين المنتسبين إلى الإسلام كثيراً، ونزلت بسببها أكثر الآيات القرآنية التي تنهي عن موالاة المشركين ومودّتهم .
قال تعالى: "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " - [المائدة: 52]
وفي الحديث: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى" (متفق عليه)
100) يُؤمنون بأنَّ من كان قبل ذلك مسلما صحيحاً، ثم صار منافقاً يوالي المشركين موالاة خفية، فإنّه يكون مرتدّاً ردّة نفاق، وله حكم المنافقين في الدنيا والآخرة، كالذين نزلت فيهم: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" (التوبة: 66)
101) يُخالفُ منهج أهل السُنَّة من زعم أنَّ المُسلم لا يكفرُ بمظاهرة الكفار وموالاتهم، إلا إذا أظهر اعتقادهم، وهي مقالة أهل الإرجاء المعاصر.
102) يأمرون بصلة أرحام المشركين، الَّذين لا يقاتلُون المسلمين، ولا يُظاهرُون عليهم عدوّهم، ولا يطعنُون في دينهم.
قال تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة:8-9)
وقال: "وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ" (التوبة:12)

(العاشر) التشريع

(العاشر) التشريع
119) يُؤمنُون بأنَّ التشريع من خصائص الألُوهية والربُوبية، وهي من حقِّ الله تعالى، ولا يدَّعيها إلا كافرٌ مُشاقٌّ لربِّ العالمين. ومن ادَّعاها فقد ادَّعى الألُوهية والربُوبية.
قال تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" (الشورى:21)
120) يُؤمنُون بأنَّ أوامر الله سبحانه تشملُ الأوامر الكونية و الأوامر الشرعية، فلهُ وحدهُ الأمرُ الكوني، فلا يقعُ شيءٌ في العالم إلا بقدره. ولهُ وحدهُ الأمرُ التشريعي أي أنَّ الحلال ما أحله الله، وأنَّ الحرام ما حرَّمهُ.
قال تعالى: "ألا لَهُ الخَلقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ الله ربُّ العَالَمِينَ" (الأعراف: 54)
وقال: "أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" (الأنعام: 62)
121) يُؤمنُون بأنَّ العلمانية، الّتي هي فصل الدِّين عن الدولة، كُفرٌ صريحٌ، وإعلان البراءة من دين الله. وأنَّ المذاهب الفكرية المعمُولة في العالم، كالديمقراطية والشيُوعية والاشتراكية، تشريعاتٌ بشرية مُضادَّةٌ لتشريع الله، ولا يتَّبعها إلا الكافرُون.
122) يُؤمنُون بأنَّ الدساتير العصرية، والقوانين الوضعية البشرية المعمُولة في العالم، تشريعاتٌ بشرية مُضادَّةٌ لتشريع الله، ولا يتَّبعها إلا الكافرُون.
123) يُؤمنُون بأنَّ مُتَّبع التشريعات البشرية مُشركٌ بربِّه، وهو أبعدُ ضلالا من مُتَّبع التشريعات والتعاليم التي في التوراة والإنجيل المحرَّفة.
124) يُؤمنُون بأنَّ المُتَّبع لاجتهادات العُلماء المُخالفة لنصِّ الكتاب، وهو يعلمُ، له نصيبٌ من الشرك، وهو على طريقة كفرة أهل الكتاب.
قال تعالى: " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة:31)
قال عدي بن حاتم: "فقلت: "يا رسول الله إنا لم نتخذهم أرباباً"، قال: "بلى، أليس يُحِلُّون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويُحرِّمُون عليكم ما أحلَّ لكم فتحرمونه؟". فقلت: "بلى". قال: "فتلك عبادتهم".(أحمد والترمذي)
وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟ قال: كانت الربوبية أنهم وجدوا في كتاب الله ما أُمروا به ونُهوا عنه فقالوا: لن نسبق أحبارنا بشيء؛ فما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا؛ لقولهم: فاستنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم" (الطبري)
125) يُؤمنُون بأنَّ من اتَّخذ استحلال الميتة شريعة أنّهُ كفر، وخرج من الإسلام، كما جاء في القرآن: "وإن أطعتمُوهم إنَّكُم لمشركُون" (الأنعام:121)
قال الإمامُ الطبري: وأما قوله: "إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ" يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً، فإذا أنتم أكلتمُوها كذلك فقد صرتُم مثلهم مُشركين". ـ اهـ ـ
فكيف بمن استحلَّ القول بأنَّ سُلطة التشريع لمجلس التشريع (البرلمان)، لا لله وكتابه. وأنَّ الحُكم للأغلبية، لا لنصِّ الكتاب. وأنَّ المؤمن والكافر سواء في الحقوق والواجبات. وأن الأخوة يجب أن تكُون وطنية، لا دينية. وأنَّ الذكر كالأنثى في الحقوق والواجبات. وأنَّ الإنسان حرٌّ في التنقل بين الأديان. وأنَّ الحدود الشرعية تعارضُ حقوق الإنسان. وأن لا واجبَ على الإنسان إلا ما أوجبهُ الدستُور الوطني، ....إلى آخر الكفر البواح الذي تحمله الدساتير العصرية الصادرة من أئمة الكفر العالمي.
126) يُؤمنُون بأنَّ من اعترف بشرعية المجالس التشريعية الجاهلية، أو صار عُضوا منها، أو اعترف بشرائعها، أنَّهُ ليس من أهل الاسلام، وإن ادَّعى ذلك.
127) يُخالفُ اعتقاد أهل السنَّة في التشريع، القائلُون بجواز اتِّباع التشريعات البشرية المضادَّة لتشريع الله، الَّذين يقُولُون: "إنَّها تُحقِّقُ مقاصد الشريعة الإلهية". والَّذين يقُولُون: "إنَّها كُفرٌ، ولكن يجُوز العمل بها للمصلحة". ومن أحلَّ الكُفر كفر.

(الحادي عشر) الحكم والتحاكم

(الحادي عشر) الحكم والتحاكم
128) يُؤمنُون بأنَّ الحكم وفصل القضاء لله، في كلِّ ما اختُلف فيه، ويجبُ فيه الرجُوع إلى الكتاب والسنَّة.
قال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمُهُ إلى الله" (الشورى:)
وقال: “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً". (النساء:59)
وقال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً". (الأحزاب:36).
129) يُؤمنُون بأنَّ تسليم الحكم لله، من تحقيق التَّوحيد، ومن إخلاص العبادة المطلُوب من العبد.
قال تعالى: "إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف:40)
130) يُؤمنُون بأنَّ الحكام الذين هجرُوا الكتاب والسنَّة، ويقودون الناس بشرائع لم يأذن بها الله كفرة طواغيت. وأنَّهم والسدنة، والكهنة، والمتبُوعون الحاكمون بغير ما أنزل الله، وقضاة المحاكم العصرية، في ذلك سواء. فكعب بن الأشرف، وأمثاله، لم تكُن لهم جنُود، ومحكمة، وعدَّهم القرآن من الطواغيت، كما قالهُ أهل التفسير، في قوله تعالى: "يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ" (النساء:60)
131) يُؤمنُون بأنَّهُ لا يجُوزُ التحاكم إلى المحاكم العصرية الجاهلية، وإلى كلِّ من لا يحكمُ بما أنزل الله، من الرؤساء والمتبُوعين والشيُوخ، وأنَّهم من الطاغُوت الّذي أمر المُؤمنُون باجتنابه.
132) يُؤمنُون بأنَّ الحكم بغير ما أنزل الله يكُونُ كفراً مخرجاً من الملَّة، إذا استحلّ الحاكم ذلك، أو امتنع من ذلك، وإن كان يزعم أنَّ الحكم بشريعة الله واجبٌ عليه.
قال تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة:44)
133) يُؤمنُون بأنَّ من اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، أو اعتقد أفضلية الأحكام الجاهلية، أنَّهُ خارجٌ عن الإسلام.
134) يُؤمنُون بأنَّ الحاكم المسلم يفسُقُ بالجور والمحاباة في القضاء، ولا يكُون كافراً ما لم يتبيَّن منه الاستحلال، واتِّخاذ المخالفة شريعة مضادَّة لشريعة الله.
135) يُؤمنُون بأنَّ الإرادة القلبية للتحاكم إلى الطاغُوت يزولُ بها إيمان العبد، وأنَّ التحاكم الظاهر الفعلي أعظمُ من ذلك، ويزولُ به الإسلام الحكمي.
136) يُؤمنُون بأنَّ المسلم الذي تطلبهُ وتتهمُهُ السلطات الكافرة، لا يكُون مُتحاكماً بكلامه أمامهم، وجوابه عن التُّهم المُوجَّهة إليه.

(الثاني عشر) الصفات

(الثاني عشر) الصفات
137) يُؤمنون بأنَّ الله له الأسماء الحسنى وصفات الكمال، ولا نظير له في ذلك.
138) مذهبهم في الصفات هو: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، بدون تمثيل وتشبيه وبدون تحريف وتعطيل. فهم لا يُحرِّفُون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه. ومن أثبت صفات الله ونفى عنه مشابهةَ المخلوقين فقد آمن بالقرآن. ودلَّ على ذلك قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الشورى:11)
139) يُؤمنون بأنَّ النفي والتشبيه الصادر من المتأوّلين كفر في المآل،أي: هما بدعتان تؤولان إلى الكفر، لأنّ ذلك تكذيب بالقرآن.
140) يُؤمنون بعلوّ الله واستوائه على عرشه،
قال تعالى: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه:5)
وأنَّ الاستواء حقيقة، ومعناه معلوم والكيف مجهول. قال الإمام مالك: "الاستواءُ معلومٌ، والإيمانُ به واجب، والكيفُ مجهولٌ، والسؤال عنه بدعة"
141) يُؤمنون بأنَّ من جهل أن الله واحد أو حيٌّ، أو أنَّه خالق العالم، وأمثال هذه الصفات التي لايصحُّ الإيمان و التوحيد بدون اعتقادها، فإنَّ جاهلها لا يكون مؤمنا ولا مسلما.
142) يُؤمنون بأنَّ الرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما جاء في القرآن: "وُجُوهٌ يَوْمَئذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" (القيامة:22-23).
فيرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس بها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة. وهم يُثبتُون الرؤية غير متأولين بآرائهم، ولا متوهمين بأهوائهم.
143) يُؤمنون بأنَّ المعراج حقّ. وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ومن ثَمَّ إلى حيث شاء الله من العُلا. وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى.
144) يُؤمنون بأنَّ العرش والكرسي حقّ، وأنَّهُ مستغن عن العرش وما دونه، وأنَّهُ فوق كل شيء، وأحاط بكل شيء علماً.
145) يُؤمنُون بأنَّ الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما،
قال تعالى: "وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً" (النساء:125) وقال: "وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" (النساء:164)
146) وأهلُ السنَّة هم الوسط، في باب صفات الله سبحانه وتعالى، بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة.
147) ويُؤمنُون بأنَّ الله مع عباده، وعلمهُ محيطٌ بهم.
قال تعالى: "لا تخافا إنَّني معكما أسمعُ وأرى" (طه:46).
وقال:"وهو معكم أين ما كنتم" (الحديد:4)
148) وأنَّ لهُ مع عباده المؤمنين معيّة أخرى خاصة، غير المعية العامة، وهي معية النصرة والتوفيق والتسديد، كما في قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ مَعَ اَّلذِينَ اتَّقَـوا وَالَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ" (النحل: 128)
149) ويُؤمنُون بأنَّه يجبُ أن يصان الله عزَّ وجلَّ عن الظنون الكاذبة، فلا يجوزُ الظنُّ بأنَّ السماء تقلُّهُ، فهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه.
150) ويُؤمنُون بأنَّ ما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليُّ في دنوه، قريب في علوه.
قال تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة:186).
وجاء في الحديث: "إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" (مسلم)
151) ويُخالفُ مذهب أهل السنَّة في فهم آيات الصفات أقسام من الناس:
• يخالفهُ المُشبِّهة الذين ضلُّوا في الإثبات وشبَّهوا الله بخلقه.
• ويخالفهُ المعتزلة والأشعرية وأمثالهم الذين ضلُّوا في النَّفي والتأويل، وعطَّلُوا الآيات عن المعاني الَّتي تُوجبُها اللغة.
• ويُخالفهُ المتوقفة الذين قالوا عن آيات الصفات: "قد تكون صفات وقد لا تكون". أو أعرضوا عن الكلام في هذا الموضوع، ولا يزيدون عن التلاوة.

(الثالث عشر) القدر

(الثالث عشر) القدر
152) يُؤمنُون بقدر الله، وأنَّهُ على درجتين:
(الأولى) الإيمانُ بعلم الله السابق للحوادث والكائنات.
(الثانية) الإيمان بمشيئة الله الطليقة، وأنَّهُ لا يقعُ في ملكه إلا ما أراد.
153) ويُؤمنُون بأنَّ ما أصاب الإنسان، لم يكُن ليُخطئه، وما أخطأهُ لم يكُن ليُصيبه. كما قال تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (الحديد:22)
وقال: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر:49)
وفي الحديث الصحيح: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
154) ويُؤمنُون باللوح والقلم، وبجميع ما كُتب فيه، وأنَّ الخلق عاجزُون عن تغييره. فلو اجتمعوا ليجعلُوا كائنا في اللوح غير كائن، أو ليجعلُوا غير كائن كائناً، لم يقدروا عليه. لقد جفَّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
155) ويُؤمنُون بأنَّ الإيمان بالقدر خيره وشرِّه، إيمان بالكتاب. والكُفرُ بالقدر كُفرِ بالكتاب. وأنَّ إنكار المتأولين للقدر بدعة تؤول إلى الكفر، لأنّها تؤول إلى تكذيب القرآن.
156) ويُؤمنُون بأنَّ الميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق.
قال تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا" (الأعراف:172)
157) ويُؤمنُون بأنَّ الله تعالى قد علم عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه. وكلٌ ميسرٌ لما خلق له.
158) يُؤمنُون بأنَّ الله تعالى خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقدارا، وضرب لهم آجالا، ولم يخفَ عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته. ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى: "وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُۥ تَقْدِيرًا" (الفرقان:2). وقال: "وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا" (الأحزاب:38).
159) ويُؤمنُون بأنَّ الله يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا. وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله.
160) يُؤمنُون بأنَّ الأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله.
قال تعالى: "فمنهم شقيٌّ وسعيد" (هود:105)
161) يُؤمنُون بأنَّ أصل القدر سرُّ الله في خلقه، وأنَّ الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه. وقال في كتابه "لا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئلُونَ". فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
162) يُؤمنُون بأنَّ العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود. فإنكار العلم الموجود كفرٌ، وادِّعاءُ العلم المفقود كفرٌ. ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود. ويُحذِّرُون كل الحذر من التعمق والنظر والخصُومة والجدال فيه.
163) يُؤمنُون بأنَّ الله قد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لا يحبُّ الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحبُّ الفساد.
164) و يُؤمنُون بأنَّ للعباد قُدرة وإرادة، والله خالق قدرتهم وإرادتهم:
قال الله تعالى: "لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين" (التكوير:28-29)
165) ويُخالفُ إعتقاد أهل السُنَّة في باب أفعال الله طائفتان:
(الأولى) القدرية "المعتزلة": غلوا في إثبات مشيئة العباد، حتى كذَّبُوا بمشيئة الله، وأنَّ ما شاء كائنٌ، وما لم يشأ لم يكُن.
(الثانية) الجبرية، أو المُجبرة: غلوا في إثبات مشيئة الله، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، واستوى عندهم المُؤمن والكافر، وأهلُ الجنَّة وأهلُ النَّار، إذ الكُلُّ عندهم مجبُورون على أعمالهم وعلى جزائها.
166) وأهلُ السنَّة هم الوسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، فأثبتُوا قدر الله الذي هو علمهُ ومشيئته، كما أثبتُوا اختيار العباد، الذي هو من قدر الله.

(الرابع عشر) الصحابة

(الرابع عشر) الصحابة
167) يُؤمنُون بوجوب إعتقاد إيمانِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ القرآن شهد لهم بالإيمان والهُدى والفلاح مثل قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:100)
168) يُؤمنُون بأنَّهُ يجبُ على المُسلم أن يكُون سليم القلب واللسان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ عليه أن لا يفُوته ذلك إذا فاتتهُ الصُحبة.
قال تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" (الحشر:10).
وفي الحديث: " لا تَسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهَباً ما بَلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصيفَه". (البخاري)
169) يُؤمنُون بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم خير القرون، ويقولون بما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويُفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، ويُقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر- "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة .
170) يشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة، وغيرهم من الصحابة .
171) يقرُّون بأنَّ خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعُون بعلي رضي الله عنهم. والصحابة لم يختلفُوا في تقديم أبي بكر ثم عمر، وإنَّما كان اختلافٌ ليس بكبير في عثمان وعلي.
وقد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لا أوتي برجل فضلني على أبي بكر، وعمر، إلا جلدته حدَّ المفتري".
وعنِ ابن عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهما قال: "كنّا في زَمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا نَعدِلُ بأبي بكر أحداً، ثم عمرَ ثم عثمانَ، ثمَّ نترُكُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا نُفاضِلُ بينَهم" (البخاري)
172) ويحبُّون أهل بيت رسول الله، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي"، وقال أيضاً للعباس عمه لما اشتكى إليه من جفوة بعض قريش لبني هاشم فقال: "والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبُّوكم لله ولقرابتي".
173) ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة. ويعرفُون لخديجة رضي الله عنها فضلها، وهي أمُّ أكثر أولاده، صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن به، وعاضده على أمره. كما يعرفون لعائشة فضلها، الصِّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنها، التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". (متَّفق عليه)
174) يُؤمنُون بأنَّ تكفير الصحابة كفرٌ، وتكذيبٌ للقرآن، الَّذي شهد لهم بالإيمان وبشَّرهم بالجنَّة. وأنَّ من كفَّر الصحابة بتأويل، فهو مُبتدعٌ.
175) ويُمسكون عن ما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المرويَّة في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه، هم فيه معذورون،إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.
176) لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة. ولكنَّهم يعلمُون أنَّ الصحابة لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يُغفرُ لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم.
177) يعلمُون أنَّهُ إذا كان قد صدر من أحد الصحابة ذنب، يكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كُفِّرَ به عنه. فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.
178) يقُولُون: من نظر في سيرة الصحابة -بعلم وبصيرة- وما منَّ الله عليهم من الفضائل، علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنَّهم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله.
179) وأهلُ السنَّة هم الوسط، في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بريئُون من طريقة الرافضة المُتبرِّئين من أبي بكر وعمر، وغالب الصحابة، وأمّهات المُؤمنين. ومُتبرِّئون من طريقتهم في الغلو في عليٍّ والأئمّة من أهل البيت. ومُتبرِّئون كذلك من طريقة الخوارج والنواصب الَّذين يُكفرُون عليا ومعاوية ومن كان معهما من الصحابة.
180) ويتبرؤن من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .

(الخامس عشر)الإجماع

(الخامس عشر) الإجماع
181) يأمُرُون باتِّباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان، ويُوجبُون العمل بالإجماع الصحيح، الَّذي كانوا عليه. لقوله تعالى: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" [النساء: 115].
ولقوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" (أحمد، وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
وغيره من الأحاديث التي تحضُّ على لزوم الجماعة وعدم الشذوذ عنها.

(السادس عشر) الكفر

(السادس عشر) الكفر
182) يُؤمنُون بأنَّ "الكُفر الأكبر" نقيضُ الإيمان، وأنَّهُ عدمُ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، بالقلب أوباللسان وبالجوارح.
ولذلك يقُولُون: "الكُفرُ الأكبر يكُون اعتقاداً، أو شكّاً، أو قولاً، أو عملاً".
183) يُؤمنُون بأنَّ من الكُفر الأكبر، الشركُ بالله وعبادة غيره معهُ أو من دونه. ومنهُ تكذيبُ ما جاء به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو الإعراض عنه. ومنهُ سبُّ الله ورسُوله، والاستهزاء بالله وآياته ورسُوله. ومنهُ عدمُ الانقياد لأوامر الله، ومنه إبطانُ الشكِّ بالتوحيد، أو بالملائكة، أو برسالة الرسُول، أو بالقرآن، أو بالبعث والحساب. ومنهُ معاداة الحقِّ وأهله، وموالاة الباطل وأهله.
184) يُؤمنُون بأنَّ من الشرك الأكبر شركُ العبادة، وشركُ الطاعة، وشركُ المحبَّة.
قال تعالى:"قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ"(الكافرون:1-2)
وقال: "وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ" (الأنعام:121)
وقال: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ" (البقرة:165)
185) يُؤمنُون بأنَّ التوحيد والشرك ضدّان متباينان. وأنَّ من عرف التوحيد وآمن به فقد برِئ من الشرك وكفر به، ومن أشرك بالله وآمن بالشرك فقد برِئ من التوحيد وكفر به.
186) يُسمُّون المشركين باسمهم الشرعي، الذي هو "المشركُون" و"الكافرون" ماداموا لغير الله عابدين، وعلى الكُفر مُصرِّين.
قال الله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون"..إلى قوله "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [الكافرون:1-6].
187) يُؤمنُون بأنَّ من أنكر اسمهم الشرعي، أنَّهُ قد ردّ على الله قوله وعاند كإبليس، فيكفر بردّه للحقِّ الصريح وعناده. ثم يقع في كفرٍ آخر وهو موالاة المشركين بوصفه إياهم بالإسلام. ثم يقع في كفر آخر وهو معاداة أهل التوحيد والبراءة منهم.
188) يُؤمنُون بأنَّ من لم تبلغهُ الرسالة، وكان على الكُفرِ والشرك الأكبر، أنَّهُ كافرٌ جاهلٌ، وليس مُؤمناً جاهلاً. وأنَّ اسم "المشرك" يثبُتُ قبل الرسالة، والعقُوبة تنزلُ بعدها. فكلُّ من دان بغير دين الإسلام فهو كافر، سواء بلغته الرسالة أو لم تبلغه، فمن بلغته فهو كافر معاند أو مُعرض، ومن لم تبلغه فهو كافر جاهل.
189) يُؤمنُون بأنَّ من بلغهُ الحقُّ فعرفهُ، ثُمَّ ردَّهُ استكباراً، أو خشية المعرَّة، أنَّهُ كافرٌ، وليس مُؤمناً بمجرَّد المعرفة.
قال تعالى: "إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة:34)
190) يُؤمنُون بأنَّ حجة الله قائمة على كل من بلغهُ القرآن،
قال تعالى: "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرآنُ لأُنْذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ". (الأنعام:19)
191) يُؤمنُون بأنَّ كلَّ مُؤمن يعرفُ كُفرَ من جهر بكفره وشركه الأكبر، المناقض لأصل الإيمان، وأنَّ من لم يعرف هذا الكُفر لم يعرف الإيمان، ومن لم يُكفِّر مثل هذا الكافر فهو كافرٌ.
192) يُؤمنُون بأنَّ من لا يعرفُ الفرقَ بين المصدِّق بما جاء به الرسُولُ صلى الله عليه وسلم، وبين المُكذِّب، لم يعرف الإيمان ولم يُؤمن به. فكلَّ مُؤمن يعرفُ كُفرَ من أنكرَ حقّاً يعلمُ أنَّهُ معلُومٌ من الدين بالضرُورة، وأنَّ أهلَ العلم يعرفُون كُفرَ من أنكر حقّاً ليس معلُوماً من الدين بالضرورة.
193) يُؤمنُون بأنَّ المشركَ هو من يعبُدُ مع الله إلهاً آخر، سواء ادَّعى ملَّة الإسلام، واتِّباع رسالة مُحمد صلى الله عليه وسلم، أو تبرَّأ من ذلك. ولا فرق بين الصنفين في التسمية، والخلود في النَّار. ويدلُّ على عدم التفريق، انَّ النصوص القرآنية الواردة في شأن الشرك وأهله صريحة مطلقة. كقوله تعالى: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً" (النساء:116)
وقد كان المشركون الوثنيُون يزعمُون أنّهم على ملَّة إبراهيم وإسماعيل، و كان اليهُود والنصارى يزعمُون أنَّهم على ملَّة إبراهيم وموسى وعيسى، ولم ينفعهم الانتساب شيئاً.
194) يُؤمنُون بأنَّ كلَّ كافرٍ مات في الكُفر والشرك الأكبر، تُحبطُ جميعُ أعماله، ولا يغفر اللهُ له، وتُحرم عليه الجنَّة، ويُخلَّد في النَّار، سواءٌ كان مُلحداً دهرياً، او وثنياً، أو مجُوسياً أو يهُودياً، أو نصرانياً، أو مُنتسباً للإسلام.
قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا" [النساء: 116].
وقال: "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" [المائدة:72].
195) يُؤمنُون بأنَّ الشرك فيه أكبر وأصغر. و الشرك الأصغرُ هو كُلُّ ذريعة إلى الشرك الأكبر، كالرياء، والحلف بغير الله، والقول بـ "ما شاء الله وشاء فلان"، أو "لولا الكلب لدخل علينا اللصُوص"..وأمثال ذلك.
وفي الحديث: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: "وما الشرك الأصغر يارسول الله ؟". قال: "الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً" (أحمد)
وفي الحديث: "من حلف بغير الله فقد أشرك" (أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد)

(السابع عشر) الردّة عن الإسلام

(السابع عشر) الردّة عن الإسلام
196) يُؤمنُون بأنَّ الردَّة هي العودة إلى الكفر بعد الإسلام. وأنَّ المسلم إذا كفر بعد إسلامه، ووقع فيما ينقضُ الإيمان، أنَّهُ مُرتدٌّ.
قال تعالى: "وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة:217)
197) يُؤمنُون بأنَّ المُرتدَّ الّذي تبرَّأ من الانتساب إلى الإسلام، وادَّعى ملَّة غير ملَّة الإسلام، والمُرتدَّ الّذي لا يزالُ يدَّعِي الإسلامَ، مع كُفره اعتقادا، أو قولاً، أو عملاً، أنَّهم سواءٌ في الحُكم.
198) يُؤمنُون بأنَّ الشركَ الأكبر ناقضٌ للإيمان، وأنَّ النُّطق بالشهادتين الصادر ممن هو على الشرك الأكبر، لا يكُونُ لهُ عاصما من الحكم عليه بالردَّة.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يشهد الشهادتين ويعمل بكتاب الله: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65].
199) يُؤمنُون بأنَّ إظهار الإنكار وكراهية ما أنزل اللهُ ناقضٌ للإيمان. وأنَّ النُّطق بالشهادتين الصادر ممن هو على إنكار الحقِّ، لا يكُونُ لهُ عاصما من الحكم عليه بالردَّة.
قال الله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" [محمّد: 9].
وقال:"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكر" [الحجّ: 72].
وفي الحديث:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به
قال الحافظ: أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات وقد صححه النووي.
200) يُؤمنُون بأنَّ الاستهزاء بآيات الله ورسوله ناقضٌ للتوحيد، وأنَّ النُّطق بالشهادتين الصادر ممن هو على الاستهزاء، لا يكُونُ لهُ عاصما من الحكم عليه بالردَّة. قال الله تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" [التوبة:65-66]
201) يُؤمنُون بأنَّ موالاة الكفّار ومظاهرتهم ناقضٌ للتوحيد، وأنَّ النُّطق بالشهادتين الصادر ممن هو على موالاة الكفّار، لا يكُونُ لهُ عاصما من الحكم عليه بالردَّة. قال الله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة: 51].
﴿مِنْكُمْ﴾ أي من الصحابة الذين أسلموا وشهدوا الشهادتين وصلُّوا وجاهدوا أعداء الله. (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ): أي من الكفّار لأجل الموالاة.
202) يُؤمنُون بأنَّ الإعراض عن دين الله، والرضى بما يُخالفهُ من مناهج العبيد، كُفرٌ ناقضٌ للتوحيد.
قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ". [الأحقاف:3].
وقال: "وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا. الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا" [الكهف: 100-101].
203) يُؤمنُون بأنَّ من أنكر الواجبات والمُحرَّمات، المعلومة من الدِّين ضرورة، كوجوب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وكتحريم الدماء، والزنا، والربا، ونكاح ذوات المحارم، والخمر، والميسر، وغير ذلك من الواجبات والمحرَّمات الظاهرة. فإنَّ منكرها يرتدُّ في الحال.
ويُستثنى من ذلك من نشأ ببادية بعيدة عن مظان العلم أوكان حديث عهد بالإسلام. لأنَّ المرء كان قبل نزول هذه الواجبات والمحرَّمات يثبتُ إيمانه وإسلامه بدونها، أي يثبت بأصل الإيمان والانقياد المجمل، ومن أنكرها بعد بلوغ العلم صار مكذِّبا للرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أجمع الصحابة على كفر مانعي الزكاة.
204) يُؤمنُون بأنَّ من ردّ ما دلّ عليه نصّ قطعيّ بالتأويل، كتأويل قدامة بن مظعون للآية، "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، لما ظنّ أنّ الخمر تحلُ له. وكتأويلات القدرية والجهمية و غيرهم من المُبتدعة، فإنَّ الرادَّ يستحقُّ البيان وإزالة الإشكال. وأنَّهُ إذا أصرَّ بعد البيان على ردّ ما دلَّ عليه نصّ ثابتٌ مجمعٌ عليه فقد صار مرتدّاً مستحقّاً للقتل.
205) يُؤمنُون بأنَّ حدَّ المُرتدِّ القتلُ، كما جاء في الحديث الصحيح: "من بدَّل دينه فاقتلوه" (البخاري)
206) وأجمعوا على أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويقتل المرء بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام. وانفرد الحسن، فقال:لا يُقبل في القتل إلا شهادة أربعة.(الإجماع/لابن المنذر)
207) يُؤمنُون بأنَّ الردَّة نوعان: "ردَّة ظاهرة" و"ردّة نفاق". فالظاهرةُ أن يُجاهر بكُفره، بعد أن كانَ مُؤمناً. وردَّةُ النِّفاق هي أن يصير منافقا بعد أن كان مؤمنا، لأنّه رجع إلى الكفر رجوعا لا يظهره. كالذين نزلت فيهم: "وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لا تبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب من هم للإيمان".[آل عمران: 167]
وهم الذين انسحبوا من ميدان معركة أحد قبيل نشوبها، وكان بعضهم من المنافقين كعبد الله بن أبيّ وبعضهم نافقوا يومئذ.
208) يُؤمنُون بأنَّ المُكره على الكُفر الَّذي قلبُهُ مُطمئنٌّ بالإيمان، والَّذي هُو تحت التهديد الفوري، الَّذي جرت العادةُ بعدم تخلُّفه، لايكفُرُ إذا تكلَّم بالكُفرِ.

(الثامن عشر) كفر النفاق

(الثامن عشر) كفر النفاق
209) يُؤمنُون بأنَّ النفاق هو إظهار الإسلام مع إبطان الكفر. وانَّ اسم المُنافق يشملُ أصنافاً كثيرة، منهم الزنديق الذي يعبُدُ غير الله في السرِّ، أو يُخفي ملَّة من ملل الكُفر. ومنهم الَّذين عرفوا صحّة الدعوة إلى توحيد الله، وتركوا عبادة الآلهة الباطلة، ولكن صعبت عليهم التكاليف، وخافوا على النفس والمال، فأبغضوا الإسلام ومن جاء به. ومنهم الَّذين حسدُوا النبيّ وظنّوا أنّه سلبهم ملكا.
210) يُؤمنُون بأنَّ الجلوس في مجالس الاستهزاء والكفر كفرٌ ونفاقٌ، لقوله تعالى: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" (النساء:140)
211) يُؤمنُون بأنَّ معرفة المنافقين لا تنقطعُ بانقطاع الوحي، وإنَّما يُعرفُ بعضُ المُنافقين بظهور علامات النفاق منهم.
قال تعالى: "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ. وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (محمد:29-30)
212) يُؤمنُون بأنَّ من هذه العلامات مُوالاة المشركين، والتكاسُلَ عن الصلاة، وعدم المواظبة على شهودها في الجماعة، والبخل بالنفس والمال، والقعود عن الإنفاق في سبيل الله، والقعود مع المستهزئين بآيات الله، والجبن عند اللقاء، وابتغاء الفتنة للمؤمنين، والكذب، وإخـلاف الوعد، والخـيانة، والفجور في المخاصمة، وإيذاء الصَّالحين وبغضهم، ومخالفة الأوامر الجماعية، وإحياء العصبيات الجاهلية، والفسوق، وضعف القوّة العلمية والعملية، والرضى بالعطاء والسخط بعدمه، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، والغفلة عن الذكر، وإذاعة أخبار الخوف والأمن، وإرادة التحاكم إلى الطاغوت وغير ذلك.
213) يُؤمنُون بأنَّ من وسائل الإسلام لدرء أخطار المنافقين الوعظ والإرشاد، والإعراض عنهم، وعن مجالسهم، لتمييزهم عن المؤمنين حتى لا ينخدع بهم أحدٌ.
قال تعالى: "فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" (النساء:63)
214) ومن وسائله كشف مكايدهم، والتحذير من شرّهم. وكم من حادثة حدثت في حياته صلى الله عليه وسلم فنَزل فيها قرآن يبيِّن نفاق أقوام معيِّنين. وقد قال ابن عباس رضي اللهُ عنه، عن سورة التوبة: "إنها الفاضحة". لأنها فضحت رجالاً معيِّنين معدودين في الظاهر من الصحابة.
215) ومن وسائله رفع التكريم عنهم، فعُزلُوا عن المشاركة في الجهاد، وحرِّمت الصلاة عليهم.
قال تعالى: "فإن رجعك الله إلي طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوّاً، إنكم رضيتم بالقعود أول مرّة فاقعدوا مع الخالفين. ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون" (التوبة:83-84).
216) ومن وسائله معاقبتهم بالقتل، إذا لم يندفعْ شرُّهم إلا بذلك.
قال تعالى: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً" (الأحزاب: 60-61).
ومن عُرف نفاقه وهو من أهل دار العهد لا يقتل، وفي دار الحرب يقتل.
217) يُؤمنُون بأنَّ المُسلم ليس مأمُوراً باعتقاد أنّ في بعض الكُفار خيراً وإسلاماً، ولكنَّهُ مأمُورٌ باعتقاد انَّ في بعض المسلمين كُفراً ونفاقاً. كما قال تعالى عن المنافقين: "هم العدوّ فاحذرهم" (المنافقون:4).
وأنَّ من أحكام المنافقين، أنَّهم لهم حكمَ المسلمين في النكاح والذبائح والإرث. وأنَّهم يصيرون مرتدّين إذا أظهرُوا الكفر وأصرُّوا عليه.

(التاسع عشر) البدع

(التاسع عشر) البدع
218) يُؤمنُون بأنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة، وأنَّ من ابتدع طريقة في الدِّين يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، أنَّهُ ضالٌّ واقعٌ في فسق اعتقادي. أما ما كان أصولها موجودةً في الشرع، فإحداثها لا يكون ابتداعاً في الدِّين، كعلم النحو والتصريف، ومفردات اللغة، وأصول الفقه، وتعبير الرُؤيا، وسائر العلوم الخادمة للشريعة.
219) يُؤمنُون بأنَّهُ لا يحلُّ الابتداع في الاعتقادات، ولا في العبادات القولية والعملية، فمن أحدث عقائد زائدة لم يَرِد بِها نصٌّ، أو أحدث أقوالاً مبالغة في التعبُّد، واعتقد الإيجاب أو الندب فيما زاد فقد وقع في البدعة.
220) يُؤمنُون بأنَّ ما يستند إلى أصل شرعي، لايكُونُ بدعةً، وإن كان فعلُه طارئاً وجديداً كصلاة التراويح في الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاّها وصلّى معه ناسٌ، فخاف أن تفرض على المسلمين فتركها. فلما توفي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، رأى عمر أنَّ المانع قد زال، فجمع المسلمين على إمام واحد، وقال: "نعمت البدعة". وكانت بدعة لغوية لا شرعية.
221) يتّفقون على تضليل الفِرق المبتدعة، ولم يتّفقوا على تكفيرهم، والمراد من لم تُخرجه بدعته من الإسلام لله إلى الشرك والكفر به، وإنّما خالف ما ثبت في الكتاب والسنّة من الاعتقادات التي أجمع عليها السلف. وإنَّما حملهم على ذلك طلبُ التحقيق والاستقامة بالجهل فغلبتهم أهواؤهم، ولم يكن حباً في مخالفة الحقِّ.
222) يُؤمنُون بأنَّ الفرق المبتدعة ستكثرُ حتى تبلغ ثنتين وسبعين، كما صحّ في الحديث: "تفرّقت اليهود على احدى وسبعين فرقةً، والنصارى مثل ذلك وتتفرّق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقةً". (أحمد، وأبُو داؤد، والترمذي، وابن ماجة)
وفي رواية للترمذي: "كلّهم في النار إلاّ ملّة واحدة". قالوا: ومن هي يا رسول الله؟. قال: "ما أنا عليه وأصحابي". و لأبي داؤد: "وواحدة في الجنّة وهي الجماعة".

(العشرون) الفسق

(العشرين) الفسق
223) يُؤمنُون بأنَّ الفسق، وعصيان الله شأنُهُ خطير، وقد أخرج الله آدم من الجنَّة بسبب العصيان.
قال تعالى: " وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (طه:121).
ومسخ قرية بني إسرائيل قردة لما اعتدَوا في السبت.
قال تعالى: " وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (البقرة:65)
224) يُؤمنُون بأنَّ صاحبَ الكبيرة فاسقٌ بكبيرته، وأنَّهُ مُستحقٌّ لعقاب الله، وأنَّ أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون.
225) يُؤمنُون بأنَّ الواقع في حدّ من حدُود الله تجبُ إقامة الحدِّ عليه، وأنَّهُ ليس من أهل العدل والصلاح، ولا تُقبلُ شهادتهُ. وكذا لا تُقبلُ شهادة كلِّ فاسقٍ بكبيرة إلا بعد التوبة.
226) يُؤمنُون بأنّ ستر الواقع في الحرام جائزٌ، وإذا بلغ أمرُهُ الحاكم، فقد وجب عليه إقامة الحدِّ، إذا كان ذنبا يُحدُّ على مثله.
227) يُؤمنُون بأنَّ اللهُ يغفرُ ما دون الشرك الأكبر لمن يشاء. وإن لم يكونوا تائبين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته، وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته.
قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" (النساء:48)
228) ينهون عن صُحبة الفُساق والأشرار، لأنَّ مُجالستهم تستوجبُ لعنة الله. وفي الحديث: "لا تُصَاحِبْ إلا مُؤْمِناً، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلا تَقِيٌّ" (أبو داؤد والترمذي)

(الحادي والعشرون) التكفير

(الحادي والعشرون) التكفير
229) يُؤمنُون بأنَّ الله الذي خلق النّاس هو الذي قسمهم إلى قسمين: مؤمنين و كافرين، فوصف بعضهم بالإيمان، ووصف بعضهم بالكفر.
قال الله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (التغابن: 2)
فمن سمَّى الكافر مُؤمنا، أو المُؤمن كافراً بهواهُ، فقد عارض الله، وردَّ شرعهُ.
230) يُؤمنُون بأنَّ التكفير حقٌّ لله، وحُكمٌ شرعيٌ يجب الانقياد، له كغيره من أحكام الله، وليس للرأي موضعٌ فيه. وأنَّ الكافرَ الَّذي يُكفرهُ اللهُ ورسُولهُ، هو من اتَّصف بالكُفر المُخرج من الملَّة.
231) يُؤمنُون بأنَّ مجال أهل العلم في أحكام النَّاس ليس هو وضع ما هو كُفرٌ، وما ليس بكُفرٍ، وإنَّما هُو النَّظر في أحوال النَّاس، وبيان حُكم الله في أمثالهم، فإن تحقَّق الإسلامُ الظاهر فيهم، قالُوا: "إنَّهم مُسلمُون". وإن تحقَّق الكُفرُ الظاهرُ فيهم، قالُوا: "إنَّهم كُفارٌ".
232) يُؤمنُون بأنَّ التكفير القائم على الميزان الشرعي من الدِّين،
قال اللهُ تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" (الكافرون: 1-2)
وأنَّ التكفير القائم على الهوى والانفعالات ضلال، وأنَّ رمي المُسلم بالكُفر بغير حقٍّ كقتله في الإثمِ.
233) يُؤمنُون بأنَّ تكفيرَ المشرك -سواء انتسب إلى الإسلام، أو لم ينتسبْ إليه- من أصل الدِّين الَّذي لا عُذر لأحد فيه، لأنَّ من لم يعرف الكُفر، لم يعرف الإيمان. فإنّ الّذي وحَّد الله وترك الشرك بالله، ابتغاء وجه الله، إذا اعتقدُ أنَّ العابد لغير الله مسلم موحِّدٌ، لم يعرف التَّوحيد، وإن ادَّعاه.
كما أنَّ الذي آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا آمن بأنَّ مسيلمة رسُول الله، وأنَّهُ كمحمد صلى الله عليه وسلم في الصدق، فإنَّهُ يُعتبرُ كافراً خارجاً عن الملّة، وبطل انتسابهُ إلى الملَّة، وعُدَّ من الكافرين بمُحمَّد صلى الله عليه وسلم.
234) يُؤمنُون بأنَّ من لم يُكفِّر الكافر الواقع في الكُفر الأكبر الصريح، بعد علمه بحاله أنَّهُ كافرٌ مثله. ومن علم إسلامهُ، ولم يعلم ردَّتهُ فهو معذُور.
235) يُؤمنُون بأنَّهُ قد تعرض لبعض المسلمين شُبهة تُوقفهم عن التكفير، أو العقوبة، وتدعُوهم إلى التحقيق، مثل من كان يعلم منهم الإسلام، ولم يعلم بالردَّة، أو رأى عدم عدالة الشهُود بالردَّة، كما اختلف خالد وعمر في مالك بن نويرة، وأمثال ذلك. ولكن لا عُذر للعالم بحالهم في التوقف.
236) يُؤمنُون بأنَّ العلماء المختلفين في تكفير شخص، في مسألة اجتهادية، لا يحلُّ لهم أن يُكفِّرَ بعضهم بعضاً. كما اختلف الأئمة في تكفير بعض الفرق المُبتدعة، وفي تكفير تارك الصلاة تكاسُلاً.
237) يُؤمنُون بأنَّ ما يكفُرُ به الفردُ، تكفرُ به الطائفة إذا أظهرتهُ. والتكفيرُ الّذي ليس من باب الاجتهاد، في حقِّ الفرد، يكُون كذلك في حقِّ الجماعة.
238) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، خارجة عن أصل من أصُول الإيمان، كالتَّوحيد أو الرسالة أو الوعد والوعيد، فالتكفير حينئذ ليس من باب الاجتهاد، وليس موقُوفاً على العلماء، بل من لم يُكفرهم من عامة المسلمين فهو كافرٌ.
239) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، جاحدة أو خارجة عن أمرٍ معلُومٍ من الدِّين بالضرُورة، كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد، أو كانت تستحلُّ الحرام المعلُوم تحريمه من الدِّين بالضرُورة، كاستحلال الدماء، أوالخمر، أوالميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو الزنا، وغير ذلك، فكفرها من المعلُوم من الدين بالضرُورة، وتكفيرها حينئذ ليس من باب الاجتهاد، وليس موقُوفاً على العلماء، بل من لم يُكفرهم بعد معرفته بحالهم، فهو كافرٌ.
240) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، تعتقدُ بعقيدة مخالفة لنصٍّ قطعيٍّ ثابت، لا شكَّ في ثُبُوته، ولكنَّهُ من المقالات الخفية، الَّتي تشتبهُ على بعض النّاس، وليس من المعلُومٍ من الدِّين بالضرُورة، فإنَّها تُبدَّعُ، كالخوارج والمعتزلة وأمثالهم، وتكفيرهم من باب الاجتهاد، ويُقالُ للمُعيَّن منهم مُخطئٌ ضالٌّ، لم تقم عليه الحجَّة التي يكفرُ تاركها.
241) يُؤمنُون بأنَّ تكفير المسلم ليست على درجة واحدة، فمن كفّر مسلماً قائلاً "يا كافر"، لا لسبب آخر إلاّ أنه يوحّد الله، فرماه بالكفر بُغضاً لتوحيده، وظنّاً منه أن التوحيد كفرٌ، فهذا لا شكّ في كفره، لجهله للتوحيد وبُغضه له.
242) ومن كفّر مسلماً لا يُعرَفُ منه إلا الإسلام، وليس فيه شبهة، قائلاً "يا كافر"، واعتقد ذلك، فقد وجب عليه الكُفر، لأنَّهُ جعل الإسلام كُفراً. فإن قال لهُ ذلك من باب السبّ، فأمرٌ خطير، وقد ورد ما يدلُّ على أنَّهُ يكفُرُ بذلك. ففي الحديث: "وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ الله، وَلَيْسَ كَذلِكَ. إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ" (متفق عليه). وفي بعض طرقه "وجب الكفر على أحدهما".
243) ومن كفّر مسلماً من غير بُغضٍ لتوحيده، ولكن بُغضاً لذنبه، وظنّاً منه أنَّ الذنوب تُخرج أصحابها من الملّة، فهذا مُبتدعٌ، وبدعته كبدعة "الخوارج"، وكانوا من أهل التوحيد، ثم خالفوا الشريعة جهلاً وتأويلاً أخطؤا فيه. ويكُونُ الواجب على أهل العلم والسُلطان، تجاه الخوارج، إزالة الشُبهة، وإقامة الحجَّة. ثمَّ قتالهم إذا خرجُوا وسفكُوا دماء المسلمين.
244) ومن كفّر مسلماً بدر منه ما هو من علامات النفاق، فرماه بنفاق غيرةً لله ولدينه فهو مجتهدٌ. كما قال عمر رضي الله عنه عن حاطب، لما أفشى سرّ النبي صلى الله عليه وسلم "دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَـذَا الْمُنَافِقِ". (البخاري)
245) يُؤمنُون بأنَّ إدخال الكافر في الإسلام، ليست على درجة واحدة، فمن اعتقد أنَّ الكافر العابد لغير الله، أنَّهُ مسلمٌ، وهو عالم بكفره وشركه الأكبر، فهو كافرٌ مثله لأنه ظهر أنه يجهل الإيمان بالله، فإن عادى مع ذلك الموحّدين ازداد أمرهُ وضوحاً.
246) ومن اعتقد أنَّ المبتدع الكافر ببدعته، الذي أقيمت عليه الحجة، وكفّره العلماءُ، أنَّهُ مسلمٌ بسبب جهله لمسألته، فهذا لا يكفّر حتى تبيّن له الحقيقة، فإن أصرَّ بعد ذلك ألحق به.
247) ومن اعتقد بإسلام الكافر، بسبب إظهار الكافر للإسلام والصلاح، وإخفائه لكفره، لم يكن كافراً بل ولا آثماً. لأنَّهُ مُتَّبعٌ للشريعة الآمرة بالاكتفاء بظاهر المنافقين.
248) يُخالفُ أهلَ السنَّة الخوارج المُكفِّرين بما دون الشرك الأكبر من الذنُوب، والمُرجئة المُعاصرة الَّذين لا يُكفِّرُون بالشرك والكُفر الأكبر، ويُوالُون المُشركين، ويُعادُون المُوحدين. نعُوذُ بالله من الخذلان.

(الثاني والعشرون) دار الإسلام ودار الكفر

(الثاني والعشرون) دار الإسلام ودار الكفر
249) ينسبُون الديار إلى ساكنيها، وهذا هو الصحيحٌ لغة وشرعا، لأنَّ كلمة "الدار" تطلقُ على كلِّ موضع للإقامة. فموضع إقامة الكافرين هو: "دار الكافرين". وموضع إقامة المسلمين هو: "دار المسلمين".
قال تعالى: "سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" (الأعراف:145). أي:دار الكافرين.
250) ومسألة تقسيم الديار إلى "دار إسلام" و "دار كفر"، عندهم مسألةٌ ثابتة في الكتاب والسنّة، لأنَّ الله أمر بالبراءة من أهل الشرك، وأمر بالهجرة من دارهم إلى دار الإسلام، وأمر بغزو ديارهم. فتبيَّن من ذلك أنَّ هذا التقسيم واقعيٌ وشرعيٌ، وليس مُجرَّد اصطلاحات فقهية قابلةٌ للخطأ والصواب.
قال اللهُ تعالى عن بعض مُدَّعي الإسلام: " فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (النساء:89)، أيْ: حَتَّى يُهَاجِرُوا من دار الكفر، أو قُلْ: من أرض الكفر، أو بلاد الكفر لأنَّ المعنى واحدٌ، إلى دار الإسلام، أو قُلْ: إلى أرض الإسلام، أو بلاد الإسلام، لأنَّ المعنى واحدٌ.
251) يُطلقُون على القرية اسم "القرية الكافرة"، أو "القرية الظالمة"، أو "القرية الفاسقة"، إذا كانت الغلبة فيها لأهل الكفر والظلم والفسق، وتُجرى عليها أحكام الكُفر، ولو كان فيها أفضلُ أهل زمانهم خلقا ودينا.
وقال تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" [النحل:112].
والقرية مكَّة، فجاز القول بـ "كفرت مكَّة"، مع وجود أفضل خلق الله فيها، وذلك لكُفر أهلها، الَّذين كانت لهم الغلبة والكلمة النَّافذة فيها، وإعراضهم عن كتاب ربِّهم.
قال اللهُ تعالى: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" [النساء:75].
فقد صارت مكّة مع –فضلها- قرية ظالمة، مع وجُود الصحابة فيها، وذلك لكُفر أهلها، وإعراضهم عن كتاب ربِّهم.
252) ويُطلقُون كذلك على القوم اسم "القوم الكافرين"، أو "القوم الظالمين"، أو "القوم الفاسقين"، إذا كانت الغلبة والكلمة النافذة فيهم لأهل الكفر والظلم والفسق، وتُجرى عليهم أحكام الكُفر، ولو كان فيها أفضلُ أهل زمانهم خلقا ودينا.
قال تعالى عن قوم لُوط عليه السلام: "إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ" [الأنبياء: 74].
فاستحقُّوا الوصف بالسُوء والفسق، ولُوطٌ بين أظهرهم. لأنَّ الغلبة كانت لأهل الكُفر وأحكامهم.
وقال: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" [الأنعام: 74].
فاستحقُوا وصف "الضلال"، وإبراهيم عليه السلام بين أظهرهم. لأنَّ الغلبة كانت لأهل الكُفر وأحكامهم.
253) يُؤمنُون بأنَّهُ يستحيلُ أن يتَّفق أهلُ الدار الواحدة على إجراء أحكام الكُفر عليهم، إذا كَانُوا كلُّهم على الإيمان والإسلام. وكذلك يستحيلُ أن يتَّفق أهلُ الدار الواحدة على إجراء أحكام الكُفر عليهم، وفيهم مُؤمنُون لهم غلبة وسُلطان. بل لا يتَّفقُ أهلُ دار على إجراء أحكام الكُفرِ، إلا والمُؤمنُون فيهم مقهُورون أو معدُومُون.
254) يُؤمنُون بأنَّ من فرَّق بين أهل دار واحدة، بعضها قادة وسادة مجاهرُون بالكُفرِ، وبعضُها عامة مُنقادة تابعة لأحكام الكُفر، وزعم أنَّ القادة كُفارٌ، والعامة مُؤمنة، أنَّهُ ضالٌّ مُخالفٌ للقُرآن. فإنَّ القرآن لم يُفرِّق بين المجتمع الواحد، المنقاد لأحكام واحدة، وإنَّما فرَّق بين المُنقادين لأحكام الكُفرِ، وبين المُتبرِّئين منهم.
قال تعالى: "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (هود:59).
وقال: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" (الزخرف:54)
255) يُؤمنُون بأنَّ الملأ والأتباع، في دار الكُفرِ، مشتركون فى الحكم والإثم وعقوبة الدنيا والآخرة.
قال تعالى:" إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" (القصص:8)
وقال:" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" (القصص:40)
وقال: "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" (غافر:47ـ 48)
وإذ لم يفرّق الله -عزَّ وجلَّ- بين "السادة" و"الأتباع" فى الحكم والتأثيم فى الدنيا والآخرة، فإنّ اتّخاذ التفريق بين الصنفين سبيلا ضلالٌ عن صراط الله المستقيم.
256) يُؤمنُون بأنَّ الدار تكون دار إسلام إذا كانت الغلبة فيها للمسلمين، وتحكم بما أنزل الله، وتقام فيها حدود الله، مع وجود أفراد وقبائل كافرة تعيش في داخلها. كما كانت المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قرية إسلامية، مع وجود ثلاث قبائل يهودية بها، وهي "قينقاع"، و "قريظة"، و "النضير" .
وكذلك كانت جميع البلاد التي فتحها المسلمون في زمن الخلفاء الراشدين وبعده بلاداً ودياراً إسلامية، لغلبة المسلمين، وسريان أحكام الإسلام فيها، مع وجود طوائف بشرية كثيرة لم تعتنق الإسلام وتؤخذ منها الجزية كالمجوس وأهل الكتاب.
وأن الدار تكون دار كفر، إذا كانت الغلبة فيها للكفّار، وتحكمُ بشرائع الكفّار، مع وجود أفراد أو جماعات من المسلمين، كما كانت مكّة دار كفر قبل الهجرة، مع وجود النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة فيها. وقد بقى فيها مسلمون صادقون بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم منها.
257) يُؤمنُون بأنَّ دماء المُسلمين مُحرَّمةٌ مصُونة، حيثُ كانُوا، في دار الإسلام أو في دار الكُفرِ، كما أنَّ إسلام المرءِ يثبتُ حيث كان، في دار الإسلام وفي دار الكُفرِ.
258) يُؤمنُون بأنَّ الأصل أنَّ من كان في دار فهو من أهلها، إلا إذا ظهر ما يُخالفُ ذلك الأصل. ولذلك فإنَّ المُسلمَ الذي لم يقدر على إظهار دينه في دار الكُفر، إذا أُلحق بأهل الدار، أو قتل في الجهاد، فإنَّ المُسلمين معذُورُون، ويُبعثُ على نيَّته.
قال تعالى: "ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيَّلوا لعذَّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً" [الفتح:25]
فالمنهيُّ عنه هو قتلُ المسلم بعد العلم بإسلامهِ، فإن لم يُعلم بإسلامه، ولم تكُن فُرصةٌ للتبيُّن، فإنَّهُ يُلحقُ بأهل الدار. فإنَّ الشرع إذا حكم بكفر قومٍ، وأمر بجهادهم، فلا سبيل إلى التفريق بينهم وبين المسلم الذي لا يُعلمُ بإسلامه إلا ببيِّنة ظاهرة، فإن انعدمت وجب العملُ بالأصل، وتركُ السرائر والنوايا إلى الله.
259) يقُولُون إنَّ الدار تتحوّلُ من دار كفر إلى دار إسلام وبالعكس. ومثال ذلك:
كانت مصر دار كفر في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ تحولت إلى دار إسلام في زمن الفاروق، ثمّ صارت دار ردّة وبدعة ونفاق في زمن العبيديين، ثمّ صارت دار إسلام وسنّة في زمن صلاح الدين الأيوبيّ وبعده، ثم صارت دار كفر في زمن الحملة الفرنسيّة والإنجليزيّة وما بعدها. فالأمرُ يدورُ على السُلطان الغالب والأحكام السائرة.
260) يقُولُون بوجُوب دعوة اهل الجاهلية إلى الإسلام، والبقاء فيهم لهذا الغرض، عند عدم وجُود دار الإسلام، كما كان رسُل الله يصبرُون على البقاء بينهم حرصا على هدايتهم. وأمَّا عند وجودها، فإنَّ العاجز عن إظهار دينه، تجب عليه الهجرة من دار الكفرإلى دار الإسلام.
261) يُؤمنُون بأنَّ المسلمَ الَّذي في دار الكُفرِ، والَّتي تعلُو عليها كلمة الكُفر، إذا قام إلى الدعوة إلى الله، ووالَى من علم بإسلامه، وعامل من لم يعلم بإسلامه معاملة أهل دار الكُفر، في النِّكاح، والذبائح، والجنائز، والإمامة في الصلاة، وغير ذلك، أنَّهُ على صراط الله، وعلى هُدى مُستقيم، ولا يجُوزُ القولُ بأنَّهُ كفَّر مسلمين، أو ظلم أبرياء من الكُفرِ.
262) يُؤمنُون بأنَّ الكفر إذا غلب على المجتمع، واستُحلَّ ما ينقضُ الإيمان، فإنَّ البراءة واجبة، وأنَّ على من لم يقدر على إظهار دينه، أنْ يُهاجر منها، ولو إلى دار كُفر، يقدرُ فيها على إظهار دينه، إن كان قادراً على الهجرة. وإنَّ من الكُفر والنِّفاق مداهنتهم، أو التشكيك في كُفرهم الظاهر، لأجل البقاء في الحياة الدنيا الفانية.
263) يقولُون: إن الخطيئة إذا أخفيت لن تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة. ولذا فإنَّ الأمراءَ المسلمين إذا أظهروا المعاصي، فإنَّ من كره بقلبه، ولم يستطع الإنكار بيد ولا لسان، فقد برئ من الإثم، وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم فهو العاصي.
وفي الحديث: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ. وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ. وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ". قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لاَ، مَا صَلَّوْا" (مسلم)
264) يقولُون: إن قُدرَ على عزل الأمير المسلم الفاسق بدون مفسدة تربُو على المصلحة التي في عزله، وجب ذلك، وإن كان لا يتمُّ ذلك إلا بمفسدة تربُو على المصلحة، وجب الصبر، واختيار أخفَّ الضررين.

(الثالث والعشرون) المسلمُون

(الثالث والعشرون) المسلمون
265) يُسمُّون أهل القبلة الَّذين أظهرُوا الإيمان والبراءة من الشرك وأهله، مسلمين مؤمنين، ما داموا معترفين ومصدِّقين بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
266) لا يُكفرون أحداً من المُسلمين بذنب -دون الكُفر الأكبر- ما لم يستحله. ولا يقولون بقول المُرجئة القديمة: "لا يضرُّ مع الإيمان ذنب". ولا بقول المُرجئة المشركة الحديثة: "لا يضرُّ مع الإسلام الظاهر شركٌ ظاهرٌ". ويرجون للمحسنين أن يعفو عنهم الله، ويدخلهم الجنة برحمته، ولا يأمنون عليهم، ولا يشهدون لهم بالجنة. ويستغفرون لمُسيئهم ويخافُون عليهم ولا يُقنِّطونهم.
267) يُؤمنُون بأنَّ المؤمنين كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقران. والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الحقِّ.
268) يُصدِّقُون بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر فرق الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.
269) لا يُفضِّلُون أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام، ويقُولون: "نبي واحدٌ أفضلُ من جميع الأولياء".
270) يرون الجماعة حقّا وصوابًا، والفرقة زيغا وعذابا. وفي الحديث: "وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَماعَةَ". (أحمد، والترمذي)

(التاسع) الإيمان الواجب

(التاسع) الإيمان الواجب
103) الإيمان الواجب هو التكاليف الشرعية، أيْ: فعل الواجبات، وتركُ المحرَّمات. والإيمان الواجب هو الفارق بين المؤمن والفاسق الملّي.
قال تعالى: "بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ" [الحجرات:11]
104) ومن أنكر أو ردَّ شيئا من الواجبات الشرعية، قبل الخبر أعذر بعدم بلوغ الحجَّة. ومَنْ أنكرها أو ردَّها بعد الخبر، خرج من الملَّة، واعتبر مرتدّا عن الإسلام، لتكذيبه خبر اللّه ورسُوله.
105) وعدم تكفير أهل الكبائر عموماً إيمان بالقرآن، لأنّ الله أنزل عقوبات لأصحاب الكبائر ولم يجعلهم مرتدّين، كقوله تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا" (المائدة:38)
وقوله: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ (النور:2)
وقال في القاذفين: "فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً" (النور:4-5)
106) ومن زالت عن قلبه محبَّة الإيمان وأهله، وكراهية الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، فليس من أهل الإيمان.
قال تعالى: "وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" (الحجرات:7)
107) يُؤمنون بأنَّ الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
قال تعالى: "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى" (مريم:76)
وقال: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ" (الفتح: 4)
108) يُؤمنون بأنَّ الأخوة الإيمانية ثابتة لا تزولُ عن العاصي المسلم.
قال تعالى: "فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف" (البقرة:178)
وقال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم"(الحجرات:9-10)
109) يقولون عن مُرتكب الكبيرة: "هو مؤمن ناقص الإيمان"، أو "مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته".
110) يُخالفُ أهل السنَّة الخوارج القائلين بأنَّ الأعمال من الإيمان، وأنَّ الإيمان جزءٌ واحدٌ لا يتجزَّأ، إذا ذهب بعضهُ ذهب كلُّه، وأنَّ مُرتكب الكبيرة كافرٌ خارجٌ عن ملَّة الإسلام، ومُخلَّدٌ في النَّار في الآخرة.
111) وتخالفهم المعتزلة القائلين بقول الخوارج في الإيمان، إلا انَّهم قالُوا: "مُرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلتين في الدنيا، لا هو كافرٌ ولا هو مُؤمنٌ، ومُخلَّدٌ في النَّار في الآخرة"
112) وتخالفهم المرجئة بأنواعها، القائلين بأنَّ الأعمال ليست من الإيمان، ولا يضرُّ مع الإيمان ذنبٌ.
113) وأهل السنّة يقُولُون: "الذنبُ خطيرٌ، ينقصُ به الإيمان، وصاحبُهُ تحت مشيئة الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له".
114) وأهل السنّة هم الوسط، في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
115) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجارا، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة.
116) يعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه" (متفق عليه)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" (مسلم)
117) يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمُرِّ القضاء.
118) يدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا"، ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصله الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق -بحق أو بغير حق- ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها.


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping